Tuesday, June 17, 2008

حكاية التسلية المخدرة

الاتصالات . . . وقضايا . . . المجتمع

أول الطريق إلى الحكمه هو أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية – وباب الاتصالات وقضايا المجتمع يلقي الأضواء علي
تأثيرات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات علي القضايا الاجتماعية والأمور العظيمة قادمة وتستحق أن نحيا ونموت مـن أجله

حكايـــــــة التســـلية المخــــــــدره

جاءت العولمه كأحد النواتج الهامه لثورة الاتصالات والمعلومات . . . والعولمه هي النظره للعالم كسوق واحد يعتمد علي ماس برودكشن ويحقق أذواق مختلفه للمستهلكين في نفس الوقت . . . ولكن هل أدت هذه العولمه في زيادة الرفاهيه حقا .
البدايات الاولي للعولمه ترجع لما يقرب من عشرين عاما مرت وبها بعض العلامات البارزه . . . فلقد لعبت الآله دورا بارزا في الانتقال بالبشريه من عصر . . لعصر آخر . . وبأكتشاف النار عرف الانسان الطهو وصهر المعادن وأستطاع تشكيلها ليصنع منها أدوات تمكنه من الصيد والزراعه والبناء . . واستطاعت الآله التي تمكن من تشكيلها توفير بعض الاحتياجات البدائيه من الطعام والامان . . والآله البخاريه أنتقلت به للعصر الصناعي والانتقال من اقطاعيات الاكتفاء الذاتي وعهد الساده والعبيد الي عهد الصناعه والبرجوازيه والعمال والتجار . . والان يلعب الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات الدور الحاسم . . والفعال للانتقال لمجتمع المعرفه . . وقد أراد بعض البرجماتيين في عالمنا المعاصر . . تسيير العالم لمجتمع الخمس الثري والاربعة أخماس الفائضيين عن الحاجه والمطلوب أستخدام تلك التسليه المخدره حتي يمكن تهدئة خواطر سكان المعموره المحيطين . . وهذا التنظير يكتسب مصداقيه مع مرور الوقت . . فهناك مؤشرات ظاهره تشير الي ذلك .
لم يكن أشد المتشائمين من البسطاء والمهمشين في عالمنا المعاصر . . يمكن أن يدور بفكره مايخطط له هؤلاء المؤتمرين بالفيرمونت . . . ذلك الفندق الاسطوره الممتد فوق مرتفعات نوب هيل بسان فرانسيسكو فالفلاحين البسطاء الذين مايزالوا يستخدمون الشادوف والساقيه والابقار والدواب في الزراعه . . . ولم تخلو حياتهم بعد من مظاهر الحياه الفرعونيه القديمه . . . وهؤلاء الذين يعيشون في الواحات والصحراء القاحله . . . تلك الحياه القاسيه . . . والعمال الذين يعملون بالمناجم في ظروف قاسيه جدا وهؤلاء الذين يعملون وسط ضجيج الماكينات يكادوا يتحصلون علي قوت عيشهم بالكاد ويشبهون التروس الدائره في المصانع .
في تلك النجوع والقري والاحياء الشعبيه والمدن بأمتداد أرض مصر تنتشر تلك الفئات من الطبقات الشعبيه والطبقه الوسطي والمتزايده اعداد العاطلين في أوساطها بشكل لم يكن من قبل رغم التقدم المذهل الذي حققته الحضاره الانسانيه في الصراع الابدي بين البشر والطبيعه . . . فلماذا لم تحقق الانجازات البشريه في العلوم والتكنولوجيا والتطور في الفنون والآداب والفلسفه . . الرفاهيه المنشوده لاعداد متزايده علي عكس المتوقع . . . كيف يعود حاضر العالم الي ماكان عليه في العهود الماضيه رغم ذلك التقدم المذهل .
في مسرحية " هوخ شواب " يقول فريز شغاب المؤلف المسرحي علي لسان أحد أبطاله . . . أن العالم كله قد أخذ يتحول الي ماكان عليه في ماضي من الزمن .
في مناطق مختلفه حول العالم يتعرض 50 مليون شخص للاباده سواء من المجاعات أو تعرضهم للانعزال والنزاعات المسلحه ويتعرضون لانتهاكات حقوق الانسان ولايكاد يصلهم الغذاء وأجهزة تنقية المياه والادوية . . . ويموت المئات يوميا بسبب التأخر في الوصول اليهم لانقاذهم وتفترسهم الاوبئه . . . ففي بقاع كثيره في أفريقيا تعجزه المساعدات الانسانيه عن الوصول لما يقرب من مليوني شخص في أفريقيا الوسطي وفي الاراضي الفلسطينيه المحتله يترك مايقرب من 3.5 مليون فلسطيني يتعرضون لكوارث أنسانيه دون مساعده من المجتمع الدولي . . . وحوالي 3 ملايين آخرين في شرق الكونجو . . . و 1,6 مليون في شمال أوغندا و 1,5 مليون في ساحل العاج و 1,2 في شمال القوقاز هذا بالاضافه لمليون شخص في أفغانستان و 500 الف شخص في ليبريا . . . عار علي هذا العالم أن يموت هناك 50 مليون شخص يتعرضون للتشريد وملايين الاطفال يموتون جوعا والملايين من النساء تنتهك حقوقهن ويتعرضون للاغتصاب في عالمنا المعاصر .
يبدو وادي السيلكون في كاليفورنيا موطن ثورة الكمبيوتر خلف زخمه من المنازل مكتظه بأكثر من مائه الف صيني . . ويبدو الفيرمونت كعلامه حدود عملاقه يشكل حدا فاصلا بين الحاضر والمستقبل وبين أمريكا وبلدان المحيط الهادي .
جنرالات الحرب العالميه الامريكيون ومؤسسو الامم المتحده والساده المهيمنين علي مؤسسات الصناعه والمال وجميع رؤساء الجمهورية الامريكية بالقرن الحالي . . يعتاد هؤلاء علي الاجتماع والاحتفالات والمؤتمرات . . . علي أقامتها بالفيرمونت .
وفي نهاية سبتمبر 1995 أجتمع لفيف هؤلاء . . . بمعهد الدراسات يقع جنوب جسر الجولدن جيت والذي تتوهج أضواءه في ثراء لانهاية له حتي مرتفعات بركلي .
وقف في هذا المكان أحد قادة العالم السابقين وهو ميخائيل جورباتشوف . . . والمعهد يحمل اسمه . . . أقامه له أثرياء العالم . . . كعرفان بالجميل بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق .
وقد دعا جورباتشوف 500 من قادة العالم في مجالات السياسه والمال والاقتصاد وعلماء من كل القارات . . . ووصفهم بأنهم هيئة خبراء جديده . . . والمطلوب تحديد لمعالم الطريق للقرن الواحد والعشرين .
وهناك أجتمع جورج بوش وجورج شولتز ومارجريت تاتشر ورئيس مؤسسة CNN معا مع أقطاب العولمه في عالم الكمبيوتر والمال وبدأت المناقشات بتقرير جون جيج مدير شركة الكمبيوتر الامريكيه ميكروسيستمز . . . عن التكنولوجيا والعمل في الاقتصاد المعولم وشركة النجم الجديد هي التي طورت لغة جافا . . . وكشفت كلمه جيج عن أرتفاع حجم مبيعات الشركة الي 6 مليار دولار خلال فترة وجيزه وكشفت مداخلته مع دافيد بكارد أحد المؤسسين لعملاق التقنيه العاليه هيولت باكارد عن أحتياجه لعدد قليل جدا من الموظفين ( مابين 6 الي 8 ) فقط بدونهم يتوقف العمل في حين أن عدد العاملين الحاليين بشركة سان سيستمز هم 16 الفا وأعتبر أن هؤلاء هو احتياطي يمكن الاستغناء عنه عدا قلة ضئيله منهم .
وبالنسبه للمؤتمرين بالفيرمونت . . . فان الجموع الغفيره من العاطلين عن العمل والتي تلوح الان في الافق فهو أمر بديهي فلا يفتقد أحد من بين هؤلاء المديرين الذين يحصلون علي أعلي الرواتب في قطاعات صناعات المستقبل . . . بأنه ستكون هناك فرص عمل جديده توفر للعاملين أجور معقوله في الاسواق الناميه والتي تسخدم أحدث وأغلي الاساليب التكنولوجيه .
وأختزل المؤتمرون في الفيرمونت المستقبل الي العددين 20 و 80 والي مصطلح التسليه المخدره . . . في كتابه نهاية العمل . . يري الكاتب الامريكي جريمي ريفكن أن خمس قوة العمل سيكفي لانتاج جميع السلع في المستقبل وكافيه لسد الحاجه للخدمات الرفيعه التي يحتاج اليها المجتمع العالمي . . . ويعزز رئيس مؤسسة صن هذا الرأي . . . والمؤتمرون في الفيرمونت من قيادات العالم وكهنه الاقتصاد الكبار واساتذة الاقتصاد في جامعات ستانفورد وهارفارد وأكسفورد وعمالقة التجارة والاشهر بينهم أبن جنوب شرق آسيا واشنطن سي سيب . . . هؤلاء البرجماتيون ( البرجمانيه هي النفعيه العمليه ) . . توصلوا الي أن المسأله في المستقبل هي أما أن تأكل أو تؤكل TO HAVE LUNCH OR BE LUNSH وأن 20% فقط من السكان العاملين سيكفون للحفاظ علي النشاط الاقتصادي ويجب البحث عن حلول للمشاكل العظمي التي سيواجهها حتما الثمانين في المائه العاطلين . . . وان كانوا يرغبون في العمل .
وقد رسم هؤلاء المؤتمرون في الفيرمونت الخطوط العريضه للنظام الاجتماعي الجديد . . . بلدان ثريه من دون طبقه وسطي تذكر . . . فقد جاءت الحلقه الدراسيه التاليه بالمؤتمر عن مستقبل العماله . . . واثناء المناقشه طرح زيجنيو برجينيسكي ذلك الهولندي المولد وعمل لمده أربعة سنوات مستشارا للامن القومي للرئيس جيمي كارتر ويهتم الآن بالمسائل الجيو – ستراتيجيه . . ونحت برجينيسكي الكلمه الانجليزيه تيتي – تن – منت . . . وترجمتها هي التسليه المخدره . . .
وأستمرت المناقشه في أتجاه ايجاد الطرائق المتاحه للخمس الثري لمساعده الجزء الفائض عن الحاجه . . . الثمانين في المائه العاطلين . . وأن كانوا يريدون العمل . . فلم يعد واردا الالتزام الاجتماعي من قبل مؤسسات الانتاج . . . الاهتمام بأمر العاطلين بل يجب أن يصبح ذلك من أختصاص جهات آخري كأن يساعد الافراد بعضهم بعضا والمؤسسات الاجتماعيه المدنيه مثل النوادي الرياضيه . . . ولامانع من تقديم بعض الاموال لهذه المؤسسات وليس بعيدا أن تري في الدول الصناعيه الكبري أفرادا ينظفون الشوارع بالسخره أو يعملون خدما في المنازل قصد الحصول علي مايسد الرمق .
لقد ظن المؤتمرون في الفيرمونت أنهم علي أبواب حضاره جديده . . . لقد لاح في الافق حسب رأيهم . . . مجتمع الخمس . . . هذا الذي يتعين في ظله تهدئه خواطر المعموره بالتسليه المخدره . . . هذه هي العولمه .
في البلاد الصناعيه الكبري مايزال هؤلاء الفائضين عن الحاجه كما اطلق عليهم منظرو العولمه يتمتعون بالحقوق الديمقراطيه ويمتلكون اصواتهم ويستطيعون تغيير الحكومات والقيادات السياسيه . . . لم يحسب البرجماتيون المؤتمرون بالفيرمونت نقاط القوه لدي الآخرين . . لايوجد سوي ضيقوا الافق من الساسه والقيادات ومحترفوا الاقتصاد . . . هم الذين يتصورون أن من الممكن قيادة العالم علي طريق تحويل أربعة أخماس القوه العامله الي فائضون عن الحاجه بدون مواجهات داميه . . .
في الانتخابات التي أجريت في يونيو 2004 في أطار الاتحاد الاوربي . . . وجه الناخبين رسائل أحتجاج قويه للحكومات . . . فلقد أستخدم الناخبون حقهم في الممارسه الديمقراطيه في ممارسه نوع من السخط العنيف والاحتجاج علي أداء حكومات الاحزاب الحاكمه بشأن مواجهة البطاله والركود الاقتصادي وضد الحرب علي العراق . . . وبدي أن الناخبين يريدون معاقبة حكوماتهم بسبب مشاركتهم في الحرب علي العراق وايضا بعض الاحزاب الحاكمه كما في المانيا وفرنسا برغم معارضتها للحرب علي العراق قد لاقت ايضا هزائم مروعه . . . فالقلق اصبح بسيط علي أنحاء المعموره بما فيهم الدول الصناعيه الكبري ذات الديمقراطيات العريضه وهذا بسبب الركود الاقتصادي وتفشي البطاله وهم يريدون من الحكومات أن تكون أكثر قربا من همومهم ومشاكلهم الانسانيه ورفاهية المجتمع الانساني وليس مايجري في أطار العولمه المتوحشه .
ظهر مؤخرا بالاسواق كتاب القوه الامبراطوريه : ثمن الامبراطوريه الامريكيه لمؤلفه نيل فيرجسون . . . يتحدث فيه عن أن هذه الامبراطوريه ضروره . وأن العالم يحتاجها وأن أمريكا هي المرشح الافضل لشغل هذا الموقع . . . وتصل درجة الفجاجه في فكرته الي اعتبار ان الاستقلال السياسي كارثه لمعظم الدول الفقيرة التي حصلت عليه ، ويقول في معظم الحالات فأن الامل الوحيد في المستقبل لهذه الدول يبدو في تدخل قوه خارجيه قادرة علي بناء أسس وقواعد المؤسسات الاساسيه للدوله والتي لاغني عنها للتقدم والتنميه الاقتصاديه . . . وتحت شعارات الرساله النبيله والخير يتم بناء الامبراطوريه الامريكيه الجديده لتحقيق مصالح الامن القومي الامريكي . . . وفي هذا السياق تأتي الحرب علي العراق . . . ومشروع الشرق الاوسط الكبير . . . والحاله العالميه في القرن الواحد والعشرين .
ونعود لهولاء البسطاء والذين لايبغون غير العيش الكريم وهم من لم يدر بخلدهم البته مادبر لهم المؤتمرون في الفيرمونت فالعلامات علي طريق العولمه تظهر بوضوح وجلاء . . . فالبطاله تتزايد ( في مصر بلغت مابين 22% الي 25% ) والدعم يتقلص . . . والضرائب تتزايد . . . ورؤوس الاموال الاجنبيه تمارس ضغوطا للضغط علي الحكومات لتقديم تنازلات ضريبيه عظيمه وتقوم بتجهيز البنيه الاساسيه لهم ( والملاحظ أيضا في مصر أن الاستثمارات الاجنبيه تميل للانحفاض ) . . . وتضغط المؤسسات الدوليه لتحقيق حريه تنقل رؤوس الاموال وخصخصة المشروعات العامه . . . وتخزن في ترسانه دول بعينها أسلحه استراتيجيه تساعدها عند اللزوم .
ومصر أحدي دول الاسواق الناشئه . . . وفي تقرير أصدرته شركة ميريل لينش لادارة الاستثمارات لدراسة الاسواق الصاعده . . . وردت بعض البيانات عن مصر . . . فالتقرير يرصد أن نسبة العجز العام للناتج المحلي بلغت 9.1 % عن عام 2003/2004 . . . أي مايقرب من ثلاثة أمثال العجز عام 1998 . . . وأرتفع أنتاج القطاع الخاص الي 76% من الناتج المحلي الاجمالي عن عام 2002/2003 وتراجعت مؤسسات القطاع العام بما في ذلك بنك الاستثمار القومي مما ساهم في زيادة الركود الاقتصادي وأرتفعت الديون وتكاليف خدمة الدين الي 42.7 % من الميزانيه وبلغ التضخم ( 80% في مقابل الدولار خلال سنوات قليله مضت ) . . . يبدو واضحا أن المصطلح المنحوت من مفهوم التسليه المخدره يتزايد جبروته وسطوته . . . يلوح ذلك في الفن الهابط والاعلام الزائف . . . والذي ينتشر عبر أنحاء المعموره . . . الترويج لما يحرف النظر عن القضايا الرئيسيه وهموم المواطن وبعيدا عن التفسير بمنطق المؤامره . . . وأما أن تأكل أو تؤكل . . . أنتبهـــوا أيهـا الســـاده